سورة القمر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)}
أي سفينة، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، إشارة إلى أنها كانت من ألواح مركبة موثقة بدثر، وكان انفكاكها في غاية السهولة، ولم يقع فهو بفضل الله، والدسر المسامير.


{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)}
وقوله تعالى: {تَجْرِى} أي سفينة ذات ألواح جارية، وقوله تعالى: {بِأَعْيُنِنَا} أي بمرأى منا أو بحفظنا، لأن العين آلة ذلك فتستعمل فيه.
وقوله تعالى: {جَزَاء لّمَن كَانَ كُفِرَ} يحتمل وجوهاً أحدها: أن يكون نصبه بقوله: {حملناه} أي حملناه جزاء، أي ليكون ذلك الحمل جزاء الصبر على كفرانهم.
وثانيها: أن يكون بقوله: {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} لأن فيه معنى حفظنا، أي ما تركناه عن أعيننا وعوننا جزاء له ثالثها: أن يكون بفعل حاصل من مجموع ما ذكره كأنه قال: فتحنا أبواب السماء وفجرنا الأرض عيوناً وحملناه، وكل ذلك فعلناه جزاء له، وإنما ذكرنا هذا، لأن الجزاء ما كان يحصل إلا بحفظه وإنجائه لهم، فوجب أن يكون جزاء منصوباً بكونه مفعولاً له بهذه الأفعال، ولنذكر ما فيه من اللطائف في مسائل:
المسألة الأولى: قال في السماء: {فَفَتَحْنَا أبواب السماء} [القمر: 11] لأن السماء ذات الرجع وما لها فطور، ولم يقل: وشققنا السماء، وقال في الأرض: {وَفَجَّرْنَا الأرض} [القمر: 12] لأنها ذات الصدع.
الثانية: لما جعل المطر كالماء الخارج من أبواب مفتوحة واسعة، ولم يقل في الأرض وأجرينا من الأرض بحاراً وأنهاراً، بل قال: {عُيُوناً} والخارج من العين دون الخارج من الباب ذكر في الأرض أنه تعالى فجرها كلها، فقال: {وَفَجَّرْنَا الأرض} لتقابل كثرة عيون الأرض سعة أبواب السماء فيحصل بالكثرة هاهنا ما حصل بالسعة هاهنا.
الثالثة: ذكر عند الغضب سبب الإهلاك وهو فتح أبواب السماء وفجر الأرض بالعيون، وأشار إلى الإهلاك بقوله تعالى: {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر: 12] أي أمر الإهلاك ولم يصرح وعند الرحمة ذكر الإنجاء صريحاً بقوله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ} وأشار إلى طريق النجاة بقوله: {ذَاتِ ألواح} وكذلك قال في موضع آخر: {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} [العنكبوت: 14]، ولم يقل فأهلكوا، وقال: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} [العنبكوت: 15] فصرح بالإنجاء ولم يصرح بالإهلاك إشارة إلى سعة الرحمة وغاية الكرم أي خلقنا سبب الهلاك ولو رجعوا لما ضرهم ذلك السبب كما قال صلى الله عليه وسلم: {يابنى اركب مَّعَنَا} [هود: 42] وعند الإنجاء أنجاه وجعل للنجاة طريقاً وهو اتخاذ السفينة ولو انكسرت لما ضره بل كان ينجيه فالمقصود عند الإنجاء هو النجاة فذكر المحل والمقصود عند الإهلاك إظهار البأس فذكر السبب صريحاً.
الرابعة: قوله تعالى: {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} أبلغ من حفظنا، يقول القائل اجعل هذا نصب عينك ولا يقول احفظه طلباً للمبالغة.
الخامسة: {بِأَعْيُنِنَا} يحتمل أن يكون المراد بحفظنا، ولهذا يقال: الرؤية لسان العين.
السادسة: قال: كان ذلك جزاء على ما كفروا به لا على إيمانه وشكره فما جوزي به كان جزاء صبره على كفرهم، وأما جزاء شكره لنا فباق، وقرئ: {جَزَاء} بكسر الجيم أي مجازاة كقتال ومقاتلة وقرئ: {لّمَن كَانَ كُفِرَ} بفتح الكاف، وأما: {كُفِرَ} ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون كفر مثل شكر يعدى بالحرف وبغير حرف يقال شكرته وشكرت له، قال تعالى: {واشكروا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيُؤْمِن بالله} [البقرة: 256]. ثانيهما: أن يكون من الكفر لا من الكفران أي جزاء لمن ستر أمره وأنكر شأنه ويحتمل أن يقال: كفر به وترك الظهور المراد.


{وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)}
وفي العائد إليه الضمير وجهان:
أحدهما: عائد إلى مذكور وهو السفينة التي فيها ألواح وعلى هذا ففيه وجهان:
أحدهما: ترك الله عينها مدة حتى رؤيت وعلمت وكانت على الجودي بالجزيرة وقيل بأرض الهند وثانيهما: ترك مثلها في الناس يذكر وثاني الوجهين الأولين أنه عائد إلى معلوم أي تركنا السفينة آية، والأول أظهر وعلى هذا الوجه يحتمل أن يقال: {تركناها} أي جعلناها آية لأنها بعد الفراغ منها صارت متروكة ومجعولة يقول القائل: تركت فلاناً مثلة أي جعلته، لما بينا أنه من فرغ من أمر تركه وجعله فذكر أحد الفعلين بدلاً عن الآخر.
وقوله تعالى: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} إشارة إلى أن الأمر من جانب الرسل قد تم ولم يبق إلا جانب المرسل إليهم بأن كانوا منذرين متفكرين يهتدون بفضل الله فهل من مدكر مهتد، وهذا الكلام يصلح حثاً ويصلح تخويفاً وزجراً، وفيه مسائل:
الأولى: قال هاهنا {وَلَقَدْ تركناها} وقال في العنكبوت: {وجعلناها ءايَةً} [العنكبوت: 15] قلنا هما وإن كانا في المعنى واحداً على ما تقدم بيانه لكن لفظ الترك يدل على الجعل والفراغ بالأيام فكأنها هنا مذكورة بالتفصيل حيث بين الإمطار من السماء وتفجير الأرض وذكر السفينة بقوله: {ذَاتِ ألواح وَدُسُرٍ} [القمر: 13] وذكر جريها فقال: {تركناها} إشارة إلى تمام الفعل المقدور وقال هناك {وجعلناها} إشارة إلى بعض ذلك فإن قيل: إن كان الأمر كذلك فكيف قال هاهنا {وَحَمَلْنَاهُ} [القمر: 13] ولم يقل: وأصحابه وقال هناك {فأنجيناه وأصحاب السفينة}؟ نقول: النجاة هاهنا مذكورة على وجه أبلغ مما ذكره هناك لأنه قال: {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] أي حفظنا وحفظ السفينة حفظ لأصحابه وحفظ لأموالهم ودوابهم والحيوانات التي معهم فقوله: {فأنجيناه وأصحاب السفينة} لا يلزم منه إنجاء الأموال إلا ببيان آخر والحكاية في سورة هود أشد تفصيلاً وأتم فلهذا قال: {قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين} [هود: 40] يعني المحمول ثم قال تعالى: {واستوت عَلَى الجودى} [هود: 44] تصريحاً بخلاص السفينة وإشارة إلى خلاص كل من فيها وقوله: {ءايَةً} منصوبة على أنها مفعول ثان للترك لأنه بمعنى الجعل على ما تقدم بيانه وهو الظاهر، ويحتمل أن يقال حال فإنك تقول تركتها وهي آية وهي إن لم تكن على وزن الفاعل والمفعول فهي في معناه كأنه قال: تركناها دالة، ويحتمل أن يقال: نصبها على التمييز لأنها بعض وجوه الترك كقوله ضربته سوطاً.
المسألة الثانية: {مُّدَّكِرٍ} مفتعل من ذكر يذكر وأصله مذتكو (لما) كان مخرج الذال قريباً من مخرج التاء، والحروف المتقاربة المخرج يصعب النطق بها على التوالي ولهذا إذا نظرت إلى الذال مع التاء عند النطق تقرب الذال من أن تصير تاء والتاء تقرب من أن تصير دالاً فجعل التاء دالاً ثم أدغمت الدال فيها ومنهم من قرأ على الأصل مذتكر ومنهم من قلب التاء دالاً وقرأ مذدكر ومن اللغويين من يقول في مدكر مذدكر فيقلب التاء ولا يدغم ولكل وجهة، والمدكر المعتبر المتفكر، وفي قوله: {مُّدَّكِرٍ} إما إشارة إلى ما في قوله: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] أي هل من يتذكر تلك الحالة وإما إلى وضوح الأمر كأنه حصل للكل آيات الله ونسوها {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} يتذكر شيئاً منها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8